فصل: تفسير الآيات (7- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (44- 45):

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)}
{أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين قبلهم} معناه أنهم يعتبرون بمن مضى وبآثارهم وعلامات هلاكهم {وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه} أي ليفوت عنه {من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا} أي من الجرائم {ما ترك على ظهرها} أي ظهر الأرض {دابة} أي من نسمة تدب عليها يريد بني آدم وغيرهم كما أهلك من كان في زمن نوح بالطوفان إلا من كان في السفينة {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} يعني يوم القيامة {فإذا جاء أجلهم فان الله كان بعباده بصيراً} قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يريد أهل طاعته وأهل معصيته وقيل بصيراً بمن يستحق العقوبة وبمن يستحق الكرامة والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

.سورة يس:

.تفسير الآيات (1- 6):

{يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)}
قول عز وجل: {يس} قال ابن عباس: هو قسم، وعنه أن معناه يا إنسان بلغة طيئ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وقيل يا سيد البشر وقيل هو اسم للقرآن {والقرآن الحكيم} أي ذي الحكمة لأنه دليل ناطق بالحكمة وهو قسم وجوابه {إنك لمن المرسلين} أي أقسم بالقرآن أن محمداً صلى الله عليه وسلم لمن المرسلين وهو رد على الكفار حيث قالوا لست مرسلاً {على صراط مستقيم} معناه وإنك على صرط مستقيم، وقيل معناه إنك لمن المرسلين الذين هم على طريقة مستقيمة {تنزيل العزيز الرحيم} يعني القرآن تنزيل العزيز في ملكه الرحيم بخلقه {لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم} يعني لم تنذر آباؤهم لأن قريشاً لم يأتهم نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل معناه لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم من العذاب {فهم غافلون} أي عما يراد بهم من الإيمان والرشد.

.تفسير الآيات (7- 11):

{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)}
{لقد حق القول} أي وجب العذاب. {على أكثرهم فهم لا يؤمنون} فيه إشارة إلى إرادة الله تعالى السابقة فيهم فهم لا يؤمنون لما سبق لهم من القدر بذلك.
قوله عز وجل: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} نزلت في أبي جهل وصاحبيه المخزوميين وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمداً صلى الله عليه وسلم يصلي ليرضخن رأسه بالحجارة فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به فلما رفعه انثنت يده إلى عنقه ولزق الحجر، بيده فلما رجع إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر فقال له رجل من بني مخزوم أنا أقتله بهذا الحجر فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله تعالى بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له ما صنعت فقال: ما رأيته ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني. فأنزل الله تعالى: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} قيل هذا على وجه التمثيل، ولم يكن هناك غل، أراد منعناهم عن الإيمان بموانع فجعل الأغلال مثلاً لذلك وقيل حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال وقيل إنها موانع حسية منعت كما يمنع الغل وقيل إنها وصف في الحقيقة وهي ما سينزله الله عز وجل بهم في النار {فهي} يعني الأيدي {إلى الأذقان} جمع ذقن وهو أسفل اللحيين لأن الغل بجمع اليد إلى العنق {فهم مقمحون} يعني رافعو رؤوسهم مع غض البصر وقيل أراد أن الأغلال رفعت رؤوسهم فهم مرفعوا الرؤوس برفع الأغلال لها {وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً} معناه منعناهم عن الإيمان بموانع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد وقيل حجبناهم بالظلمة عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله تعالى: {فأغشيناهم} يعني فأعميناهم {فهم لا يبصرون} يعني سبيل الهدى {وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} يعني من يرد الله إضلاله لم ينفعه الإنذار {إنما تنذر من اتبع الذكر} يعني إنما ينفع إنذارك من اتبع القرآن فعمل بما فيه {وخشي الرحمن بالغيب} أي خافه في السر والعلن {فبشره بمغفرة} يعني لذنوبه {وأجر كريم} يعني الجنة.

.تفسير الآيات (12- 13):

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)}
قوله تعالى: {إنا نحن نحيي الموتى} يعني للبعث {ونكتب ما قدموا} أي من الأعمال من خير وشر {وآثارهم} أي ونكتب ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة.
(م) عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» وقيل نكتب خطاهم إلى المسجد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
(خ) عن أنس رضي الله عنه قال: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة فقال: «يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟» فأقاموا. قوله تعرى يعني تخلى فتترك عراء وهو الفضاء من الأرض الخالي الذي لا يستره شيء.
(م) عن جابر قال خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: «بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد فقالوا نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال: بني سلمة دياركم تكتب آثاركم» فقالوا ما يسرنا إذا تحولنا. قوله بني سلمة أي يا بني سلمة وقوله: دياركم أي الزموا دياركم.
(ق) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصلي ثم ينام».
قوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه} أي حفظناه وعددناه وأثبتناه {في إمام مبين} يعني اللوح المحفوظ.
قوله عز وجل: {واضرب لهم مثلاً} يعني صف لهم شبهاً مثل حالهم من قصة {أصحاب القرية} يعني أنطاكية {إذ جاءها المرسلون} يعني رسل عيسى عليه الصلاة والسلام.
ذكر القصة في ذلك:
قال العلماء بأخبار الأنبياء بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين إلى أهل إنطاكية فلما قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب ياسين فسلما عليه فقال الشيخ لهما من أنتما فقالا رسولا عيسى عليه الصلاة والسلام ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال الشيخ لهما أمعكما آية قالا نعم نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله قال الشيخ إن لي ابناً مريضاً منذ سنين قالا: فانطلق بنا نطلع على حاله فأتى بهما إلى منزله فمسحا ابنه فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحاً ففشا الخبر في المدينة وشفى الله تعالى على أيديهما كثيراً من المرضى وكان لهم ملك يعبد الأصنام اسمه انطيخس وكان من ملوك الروم فانتهى خبرهما إليه فدعا بهما، وقال: من أنتما قالا: رسولا عيسى عليه الصلاة والسلام، قال: وفيم جئتما قالا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر فقال ولنا إله دون آلهتنا قالا نعم الذي أوجدك وآلهتك قال لهما: قوما حتى أنظر في أمركما فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما وقال وهب بعث عيسى عليه السلام هذين الرجلين إلى أنطاكية فأتياها فلم يصلا إلى ملكها وطالت مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله تعالى فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائتي جلدة فلما كذبا وضربا بعث عيسى عليه الصلاة والسلام رأس الحواريين شمعون الصفا على أثرهما ليبصرهما فدخل شمعون البلد متنكراً فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه وأنس به وأكرمه ورضي عشرته فقال للملك ذات يوم: بلغني أنك حبست رجلين وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل كلمتهما وسمعت قولهما، فقال: حال الغضب بيني وبين ذلك.

.تفسير الآيات (14- 20):

{إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)}
قوله تعالى: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما} قال وهب اسمهما يوحنا وبولس وقال كعب صادق وصدوق {فعززنا بثالث} يعني قوينا برسول ثالث وهو شمعون وقيل شلوم وإنما أضاف الله تعالى الإرسال إليه لأن عيسى عليه الصلاة والسلام إنما بعثهم بإذن الله عز وجل: {فقالوا} يعني لم يرسل رسولاً {إن أنتم إلا تكذبون} يعني فيما تزعمون {قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون} يعني وإن كذبتمونا {وما علينا إلا البلاغ المبين} أي بالآيات الدالة على صدقنا {قالوا إنا تطيرنا بكم} أي تشاءمنا منكم وذلك لأن المطر حبس عنهم فقالوا أصابنا ذلك بشؤمكم {لئن لم تنتهوا} أي تسكتوا عنا {لنرجمنكم} يعني لنقتلنكم وقيل بالحجارة {وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم} يعني شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم يعني أصابكم الشؤم من قبلكم وقال ابن عباس حظكم من الخير والشر {أئن ذكرتم} معناه اطيرتم لأن ذكرتم ووعظتم {بل أنتم قوم مسرفون} أي في ضلالكم وشرككم متمادون في غيكم.
قوله عز وجل: {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} هو حبيب النجار وقيل كان قصاراً وقال وهب كان يعمل الحرير وكان سقيماً قد أسرع فيه الجذام وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المسجد وكان مؤمناً ذا صدقة يجمع كسبه فإذا أمسى قسمه نصفين نصف لعياله ويتصدق بنصفه فلما بلغه أن قومه كذبوا الرسل وقصدوا قتلهم جاءهم {قال يا قوم اتبعوا المرسلين} وقيل كان في غار يعبد ربه فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقال لهم أتسألون على هذا أجراً قالوا لا فأقبل على قومه وقال يا قوم اتبعوا المرسلين.

.تفسير الآيات (21- 27):

{اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)}
{اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون} أي لا تخسرون معهم شيئاً من دنياكم وتربحون صحة دينكم فيحصل لكم خير الدنيا والآخرة فلما قال ذلك قالوا له أو أنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم فقال {ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون} قيل أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم لأن الفطرة أثر النعمة وكانت عليه أظهر والرجوع فيه معنى الزجر فكان بهم أليق وقيل معناه وأي شيء بي إذا لم أعبد خالقي وإليه تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم {أأتخذ من دونه آلهة} أي لا أتخذ من دونه آلهة {إن يردن الرحمن بضر} أي بسوء ومكروه {لا تغن عني} أي لا تدفع عني {شفاعتهم شيئاً} أي لا شفاعة لها فتغني عني {ولا ينقذون} أي من ذلك المكروه وقيل من العذاب {إني إذاً لفي ضلال مبين} أي خطأ ظاهر {إني آمنت بربكم فاسمعون} أي فاشهدوا لي بذلك قيل هو خطاب للرسل وقيل هو خطاب لقومه فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه. قال ابن مسعود ووطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره وقيل كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومي حتى أهلكوه وقبره بأنطاكية فلما لقي الله تعالى: {قيل} له {ادخل الجنة} فلما أفضى إلى الجنة ورأى نعيمها {قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} تمنى أن يعلم قومه أن الله تعالى غفر له وأكرمه ليرغبوا في دين الرسل فلما قتل غضب الله عز وجل له فعجَّل لهم العقوبة فأمر جبريل عليه الصلاة والسلام فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم.

.تفسير الآيات (28- 32):

{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)}
قوله تعالى: {وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء} يعني الملائكة {وما كنا منزلين} أي ما كنا لنفعل هذا بل الأمر في إهلاكهم كان أيسر مما تظنون ثم بيَّن عقوبتهم فقال تعالى: {إن كانت إلا صيحة واحدة} قال المفسرون أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة وصاح بهم صيحة واحدة {فإذا هم خامدون} أي ميتون {يا حسرة على العباد} يعني يا لها حسرة وندامة وكآبة على العباد والحسرة أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية له حتى يبقى قلبه حسيراً قيل تحسروا على أنفسهم لما عاينوا من العذاب حيث لم يؤمنوا بالرسل الثلاثة فتمنوا الإيمان حيث لم ينفعهم وقيل تتحسر عليهم الملائكة حيث لم يؤمنوا بالرسل وقيل يقول الله تعالى يا حسرة على العباد يوم القيامة حيث لم يؤمنوا بالرسل ثم بين سبب تلك الحسرة فقال تعالى: {ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون} قوله تعالى: {ألم يروا} أي ألم يخبروا خطاب لأهل مكة {كم أهلكنا قبلهم من القرون} أي من الأمم الخالية من أهل كل عصر سموا بذلك لاقترانهم في الوجود {أنهم إليهم لا يرجعون} أي لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون بهم {وإن كل لما جميع لدينا محضرون} يعني أن جميع الأمم يحضرون يوم القيامة.